في ظل التطورات الحديثة، أصبح الذكاء العاطفي من العوامل المهمة والمؤثرة في حياتنا، فهو يساعد في نجاح كلٍ من الفرد والمنظمة. ويتمتع الذكاء العاطفي في مكان العمل بتأثير كبير، حيث يساعد على فهم العواطف والعمل على توظيفها بصورة إيجابية مع الآخرين في العمل، فهو يؤثر على الفرد والمجتمع بشكل كبير، ويعمل أيضًا على زيادة الإنتاجية في المنظمة، كما يساهم بشكل كبير في تطوير العلاقات بين الموظفين.
لقد أثبتت العديد من الدراسات إلى أن الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الذكاء المعرفي (أي أن العاطفة تفوق المعرفة)، ويستطيع الفرد التميز في العديد من المجالات إذا كان يمتلك ذكاءً عاطفيًا بغض النظر عن ذكائه المعرفي، مما يعكس أهمية الذكاء العاطفي في الحياة.
والآن، سيوضح لكم هذا المقال كيفية الاستفادة من الذكاء العاطفي في مكان العمل، وذلك من خلال مناقشة مفهوم الذكاء العاطفي وأهميته، وبيان تأثير الذكاء العاطفي، وكيفية تطويره في مكان العمل.
أولًا: مفهوم الذكاء العاطفي
يُعرّف الذكاء العاطفي على أنه القدرة على تحديد المشاعر والعواطف، وفهمها واستخدامها بصورة مناسبة، والعمل على إدارتها من أجل الحد من التوتر والتعامل بفاعلية مع الآخرين. كما يمكن توظيف الذكاء العاطفي في التصدي لأي صعوبات، والعمل على مواجهتها بشكل مناسب.
وللذكاء العاطفي خمسة جوانب أساسية، وهي:
- الوعي الذاتي: ويقصد به القدرة على تحديد المشاعر والعواطف الشخصية والتحكم في ضبطها، وذلك يحتاج إلى وجود ثقة داخلية بالنفس بالإضافة إلى ضرورة وجود وعي عاطفي.
- التنظيم الذاتي: والمقصود به السيطرة على جميع المشاعر والعواطف السلبية مثل الخوف، القلق، الغضب، الاكتئاب والعصبية. ويحدث ذلك عن طريق اتباع طرق تهتم بإدارة المشاعر والعواطف السلبية، وأهم هذه الطرق هو غض البصر عن أي سلبية واتباع نظام التفكير بإيجابية، بالإضافة إلى التقرب من الله، كما يمكن أيضاً ممارسة اليوجا وتمارين التأمل.
- التحفيز الذاتي: يمكن تحقيق التحفيز الذاتي من خلال اتباع مجموعة من الاهداف المُراد تنفيذها، والتشجيع المستمر من أجل تحقيقها والاصرار على ذلك، وغض الطرف عن أي مسبب لليأس والاستمرار في السعي والعزم والتحلي بالأمل من أجل الوصول لهذه الأهداف المرجوة.
- التعاطف: والمقصود هنا هو القدرة على فهم مشاعر وعواطف الآخرين وتقديم يد العون لهم، فمراعاة شعور الآخرين يجعلك أكثر عاطفية، وتذكر دائمًا: "من يَرحم يُرحم."
- المهارات الاجتماعية: وهي المهارات الخاصة بتعامل الفرد مع الآخرين، فعندما يكون هذا الفرد حريصًا على تطوير وتقوية مهاراته الاجتماعية، فإنه يتقدم أيضًا على المستوى المهني.
يعد الذكاء العاطفي أحد العوامل الرئيسة التي تساعد في تحسين بيئة العمل وتساهم في زيادة الإنتاج، فهو يعمل على تشجيع الفرد على التعامل بشكل فعال مع الآخرين داخل العمل من خلال عدة إستراتيجيات تساعده على التعاون والعمل بشكل جماعي دون خوف أو قلق، فعندما يتمتع الشخص بمستوى كبير من الذكاء العاطفي في بيئة العمل يكون قادراً على فهم مشاعر وعواطف الآخرين، وبالتالي يمكنه التواصل معهم بطريقة فعالة مما يؤدي إلى تقوية العلاقات بينهم.
كما يمكن الاستفادة من الذكاء العاطفي من خلال التغلب على التوتر والضغوطات، وإدارة الأزمات بشكل سليم.
وتكمن أهمية الذكاء العاطفي أيضًا في قدرة الفرد على التحكم في ردود أفعاله عند التعرض لمواقف صعبة، ويعتبر ذلك مهمًا جدًا من أجل العمل في بيئة صحية.
ويترتب على تطوير الذكاء العاطفي للموظفين في المنظمة زيادة القدرة على التأقلم مع أي تغيرات قد تحدث في المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الذكاء العاطفي أداة قوية تساعد على تحفيز الأفراد، فكلما زاد الاهتمام والتقدير بالأفراد داخل العمل، زاد التزامهم واهتمامهم بعملهم.
ويساعد الذكاء العاطفي أيضاً على اتخاذ أفضل القرارات، والمساعدة في العمل تحت ضغط، وبذلك يتحقق النجاح للمنظمة بأكملها.
ثالثًا: تأثير الذكاء العاطفي على الحياة المهنية
أشارت الكثير من الدراسات إلى أن الذكاء العاطفي له تأثير كبير على أداء الفرد في العمل؛ فهو يساعد الفرد على العمل تحت الضغط، كما يساعده في تحقيق قدرعالٍ من النجاح. بالإضافة الى ذلك، فإن تأثير الذكاء العاطفي يمتد إلى القدرة على فض النزاعات والقدرة على إجراء تفاوضات لحل الخلافات داخل العمل، ويؤدي ذلك إلى جعل بيئة العمل أكثر أمانًا ونجاحًا، يسودها الود والتعاون بين جميع أفرادها.
رابعًا: كيفية تطوير الذكاء العاطفي للاستفادة منه في بيئة العمل
إن تطوير والذكاء العاطفي لكي يتم الاستفادة منه في بيئة العمل يحتاج إلى الجهد والسعي الدائم. إليكم بعض الطرق التي تساعد في القيام بذلك:
- ممارسة الوعي الذاتي: يمكن تطبيق ذلك عن طريق التأمل لمراقبة أفكارك ومشاعرك، كما يمكنك تدوين يومياتك من أجعل فهم مشاعرك من خلال تحليل المواقف اليومية.
- التغلب على المشاعر والعواطف السلبية: مثل الفشل والإحباط والغضب، وذلك من خلال التأني في اتخاذ القرارات المهمة، وممارسة بعض التمارين، والتحلي بالأمل والصبر، كما يجب تعلم كيفية التعلم من هذه المشاعر واستخدامها بشكل مختلف بعيدًا عن التسرع والتعصب.
- تقوية مهارات التعاطف: ويتم ذلك عن طريق فهم الآخرين ومساعدتهم وحسن الاستماع لهم.
- تطوير المهارات الاجتماعية: وذلك من خلال استخدام لغة مناسبة للتعامل مع الآخرين من أجل مراعاة شعور الجميع، كما يمكن التعاون والعمل في فريق لتقوية العلاقات الاجتماعية
- تقوية الدافعية الذاتية: من خلال التشجيع والمثابرة والتفكير بإيجابية.
- القيادة: ويحدث ذلك عندما ينجح الشخص في التأثير على الآخرين ويصبح شخصاً ملهماً ونموذجًا يحتذى به، وعندما يكون متعاونًا ومرنًا ويتقبل النقد، وقادراً على فهم الجميع وتقديم الدعم العاطفي لزملائه.
- إدارة الأزمات: ويحدث ذلك من خلال التدريب والتركيز على الإيجابيات، ومحاولة إيجاد حلول سريعة وبدائل، وإجادة العمل تحت الضغط من خلال حسن إدارة الوقت والتوفيق بين الحياة الشخصية والمهنية.
- التغلب على الفشل: من الطبيعي أن يتعرض الإنسان لصعوبات، ولكن الشخص الجيد الذي يتمتع بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يمكنه التغلب على الفشل من خلال مواجهة الصعوبات والنهوض مجددًا دون يأس، وتجديد الأمل بداخله من خلال بناء أهداف جديدة والعمل عليها داخل بيئة العمل.
يساهم الذكاء العاطفي في مكان العمل في تقوية المهارات الاجتماعية، مما يؤدي إلى زيادة التعاون والحرص على العمل الجماعي. ومن خلال الاستفادة من الذكاء العاطفي، يتمكن الفرد من اتخاذ أفضل القرارات والعمل تحت أي ضغط بصورة فعالة. كما يساعد الذكاء العاطفي أيضًا على التغلب على الفشل من خلال استثمار مهاراته العاطفية بشكل يمكنه من النهوض مرة أخرى ومواجهة أي تحديات.
لذلك، يجب على جميع المؤسسات تدريب موظفيها على كيفية الاستفادة من الذكاء العاطفي وتزويدهم بالمهارات اللازمة، وذلك من أجل استثمار تأثير الذكار العاطفي على الفرد والمجتمع.